هناك الكثير من الشواهد و الأدلة التي تبرهن وصول مسلمين من أسبانيا و غرب أفريقيا إلى الأمريكتين حوالي خمس قرون على الأقل قبل كريستوفر كولومبس.
فقد ورد في التاريخ على سبيل المثال أنه في عهد الخليفة الأموي عبد الرحمن الثالث (929- 961) أبحر مسلمون من أصول أفريقية من غرب مدينة ولبة الأسبانية (في منطقة بالوس بالتحديد) إلى"بحر الظلمات" و رجعوا بعد غياب طويل محملين بغنائم كثيرة من " أرض غريبة و مثيرة". و من المعلوم أيضا أن مسلمين لازموا كولومبس و المستكشفين الأسبان بعده إلى العالم الجديد.
لقد سقطت غرناطة وهي آخر المعاقل الإسلامية في أسبانيا على أيدي المسيحيين في 1492 م قبيل بداية محاكم التفتيش الأسبانية. و هروبا من الاضطهاد و التعذيب، اختار الكثير من غير المسيحيين الفرار أو اعتناق الكاثولوكية.
وهناك وثيقتان على الأقل تحكيان عن وجود المسلمين في أمريكا الأسبانية قبل عام 1550 م بالرغم من القرار الذي أصدره ملك أسبانيا شارل الخامس في 1539 م يمنع فيه أحفاد المسلمين الذين أعدموا حرقا بالخوازيق من الهجرة إلى بلاد الهند الغربية، وتم التصديق عليه في عام 1543 م، و الذي على إثره صدرت الأوامر بطرد جميع المسلمين من الأراضي الأسبانية في الخارج.
الوثائق التاريخية:
هنالك العديد من الأدلة والبراهين التي تدل علي وصول المسلمين للأمريكتين قبل كولومبس وباختصار هي:
ذكر المؤرخ و الجغرافي المسلم أبو الحسن علي ابن الحسين المسعودي (871-957) في كتابه " مروج الذهب و معادن الجوهر" أنه في عهد الخليفة المسلم في أسبانيا –الأندلس- عبد الله بن محمد (888- 912 م) أبحر بحار مسلم من قرطبة اسمه خشخاش بن سعيد بن أسود من مدينة ولبة (بالوس) عام 889 م.
ثم عبر المحيط الأطلسي حتى وصل إلى أراض غير معروفة (أرض مجهولة) ليعود أخيرا بكنوز عظيمة. و توجد في خريطة المسعودي للعالم منطقة كبيرة وسط بحر الظلمات و الضباب (المحيط الأطلسي) و التي أطلق عليها اسم الأرض المجهولة (الأمريكتان).
ذكر المؤرخ المسلم أبو بكر بن عمر القوطية أنه في عهد الخليفة المسلم هشام الثاني في أسبانيا (976-1009م) قام ابن فروخ و هو بحار مسلم آخر من غرناطة بالإبحار من مدينة قادس الأندلسية في فبراير عام 999 م إلى المحيط الأطلسي.
ونزل في جزيرة غاندو (وهي معروفة اليوم بجزر الكناري العظيمة) زائرا الملك غواناريجا، ثم اتجه غربا حيث رأى جزيرتين أطلق على الأولى كابراريا و الثانية بويتانان ثم رجع إلى أسبانيا في مايو عام 999 م.
أبحر كولومبوس من منطقة بالوس في مدينة ولبة الأسبانية و حط رحاله في غميرة (جزر الكناري) – غميرة هي كلمة عربية تعني مدينة الفتن و القلاقل- و هناك أعجب ببيترز بوباديللا وهي ابنة الحاكم الأول للجزيرة (و كلمة بوباديللا –وهي اسم العائلة التي كانت تقطن في تلك الجزيرة- مشتقة من الاسم العربي المسلم أبو عبد الله).
وكان لقبيلة البابوديللا قوة لا يمكن تجاهلها. بعدها قام رجل من بابوديللا و اسمه فرانسيسكو، باعتباره المندوب الملكي بتقييد كولومبوس في أغلال و طرده من مدينة سانتو دومينجو إلى أسبانيا (في نوفمبر عام 1500م). و كانت عائلة بابوديللا تابعة لحكم بني العباد (من ملوك الطوائف) في أشبيلية عام 1031- 1091 م.
وفي 12 أكتوبر عام 1492 م، حط كولومبس رحاله في جزيرة صغيرة من جزر الباهاماز، و التي أطلق عليها سكانها الأصليون اسم: غواناهاني، و قام كولومبوس بتغيير اسمها إلى سان سالفادور. غوانا هاني كلمة ماندينكانية الأصل استعملت في اللغة العربية. فكلمة غوانا (إخوانا) تعني الأخوة و هاني و هي بقية الكلمة هو اسم عربي، لذلك يصبح الاسم الأصلي للجزيرة (إخوة هاني).
و كتب فرديناند كولومبس وهو ابن كريستوفر عن السود الذين رآهم والده في هندوراس التالي "الأشخاص الذين يعيشون في شرق بوينت كافيناس إلى أقصى كيب غراتشيوس ديوس هم بشرتهم تميل إلى السواد".
وفي الوقت نفسه كان من بين سكان هذه المنطقة الأصليين قبيلة مسلمة تسمى بالمامي (Almamy). و هذه الكلمة في لغة الماندينكا و في اللغة العربية مشتقة من "الإمام"و لها عدة معاني الأول الشخص الذي يؤم المصلين و الثاني زعيم جماعة و الثالث أو عضو من الإمامية.
وذكر المؤرخ و اللغوي الأمريكي المشهور ليو وينر من جامعة هارفارد في كتابه "أفريقيا و اكتشاف أمريكا 1920م" أن كريستوفر كولومبس كان يعلم جيدا عن وجود الماندينكا (وهم أكثر الجماعات المسلمة في غرب أفريقيا) في العالم الجديد.
و كان يعلم أيضا أن مسلمي غرب أفريقيا انتشروا في مناطق البحر الكاريبي وفي وسط و جنوب و شمال المناطق الأمريكية، بما فيها كندا حيث كانوا يعملون بالتجارة ويتزوجون من قبيلتي إروكويس و ألقونكوين الهندية.
اسم الكاتب: د. يوسف مروة
المصدر: موقع لها أونلاين